تروي بعض كتب التفسير في أسباب نزول آيات سورة التحريم أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان يأكل العسل عند أم المؤمنين زينب بنت جحش فانزعجت حفصة بنت عمر وتظاهرت مع عائشة بنت أو بكر على الرسول كما روي القران <<إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ>> وحدثت حادثة عسل المغافير المروية في كتب الحديث. وفي بعض التفاسير (الغير مشهورة عادة) ان النبي دخل على مارية القبطيةفي بيت حفصة التي علمت بذلك وإنزعجت، فحرّم محمد مارية القبطية على نفسه وطلب من حفصة ألا تخبر عائشة، فكان من حفصة ان أخبرت عائشة فغضب النبي صلى الله عليه وسلم منهن وهجرهن ما يقارب شهرا. ويروى أن حفصة كان لديها عسل تسقي رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فكان يبقى عندها أطول من العادة، فاتفقت نساؤه عائشة وسودة وصفية على أن يقولوا له بأن له ريحًا مزعجة، فلم يعد يشرب العسل وحرم نفسه منه.
جعل الله طبيعة هذا الدين الانطلاق بالحياة إلى الأمام : نموًّا وتكاثرًا، ورفعة وطهرًا. في آن واحد. فلم يعطل طاقة بانية، ولم يكبت استعداداً نافعًا. بل نشط الطاقات وأيقظ الاستعدادات وحافظ على حركة الاندفاع إلى الأمام مع حركة الارتفاع إلى الأفق الكريم الذي يعدالمخلوق الفاني في الأرض للحياة الباقية في دار الخلود.
وعندما جرى قدر الله أن يجعل قدر هذه العقيدة هكذا جرى كذلك باختيار رسولها - صلى الله عليه وسلم –إنساناً تتمثل فيه هذه العقيدة بكل خصائصها، وتتجسم فيه بكل حقيقتها، ويكون هو بذاته وبحياته الترجمه الصحيحه الكامله لطبيعتها واتجاهها. إنساناً قد اكتملت طاقاته الإنسانية كلها، ظليع التكوين الجسدي، قوي البنية، سليم البناء، صحيح الحواس، يقظ الحس، يتذوق المحسوسات تذوقاً كاملاً سليماً وهو في ذات الوقت ضخم العاطفة، حيي الطباع، سليم الحساسية، يتذوق الجمال، متفتح للتلقي والاستجابة. وهو في الوقت ذاته كبير العقل، واسع الفكر ،فسيح الأفق، قوي الإرادة، يملك نفسه ولا تملكه.. ثم هو بعد ذلك..النبي..الذي تشرق روحه بالنور الكلي، والذي تطيق روحه الإسراء والمعراج، والذي ينادي من السماء، والذي يري نور ربه، والذي تتصل حقيقته بحقيقة كل شيء في الوجود من وراء الأشكال والظواهر، فيسلم عليه الحصى والحجر، ويحن له الجذع وترتجف به أحد (الجبل)..! ثم تتوازن في شخصيته هذه الطاقات كلها. فإذا هو التوازن المقابل لتوازن العقيدة التي اختير لها.
وجعل الله حياة الرسول الخاصة والعامة كتاباً مفتوحاً لأمته وللبشرية كلها، تقرأ فيه صور هذه العقيدة ،وترى فيه تطبيقاتها الواقعية ومن لايجعل فيه ستراً مخبؤاً ولاستراً مطوياً . بل يعرض جوانب كثيرة منها في القرآن، ويكشف منها ما يطوى عادة في حياة الإنسان العادي. حتى مواطن الضعف البشري الذي لا حيلة فيه لبشر. بل إن الإنسان ليكاد يلمح القصد في كشف هذه المواضع في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – للناس ! إنه ليس له في نفسه شيء خاص. فهو لهذه الدعوة كله فعلام يخبئ جانب من حياته – صلى الله عليه وسلم. وقد نقل أصحاب الرسول للناس من بعده أدق تفصيلات هذه الحياة، فكان هذا إلى جانب ما سجله القرآن الكريم من هذه الحياة السجل الباقي للبشرية إلى نهاية الحياة.
والسورة تعرض في صدرها صفحة من صفحات الحياة البيتية لرسول الله – صلى الله عليه وسلم _ وصورة الانفعالات والاستجابات الإنسانية بين نسائه وبعض، وبينهن وبينه!وانعكاس هذه الانفعالات والاستجابات في حياته – صلى الله عليه وسلم – وفي حياة الجماعة المسلمة كذلك..ثم التوجيهات العامة للأمة على ضوء ما وقع في بيوت رسول الله وبين أزواجه.
ويحسن أن نذكر ملخصاً عن قصة أزواج النبى، وعن حياته البيتية مما يعين على تصور الحوادث والنصوص التي جاءت بصددها هذه السورة.
أول أزواجه- صلى الله عليه وسلم – (خديجه بنت خويلد) تزوجها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو ابن خمس وعشرين وقيل ثلاث وعشرون، وسنها – رضى الله عنها –أربعون أو فوق الأربعين، وماتت – رضى الله عنها – قبل الهجرة بثلات سنوات، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت. وقد تجاوزت سنه الخمسين.
فلما ماتت خديجه بنت خويلد تزوج عليه السلام (سودة بنت زمعة) رضى الله عنها ولم يرو أنها ذات جمال ولا شباب إنما كانت أرملة للسكران بن عمرو بن عبد شمس. وكان زوجها من السابقين إلى الإسلام من مهاجري الحبشة فلما توفي عنها تزوجها الرسول – صلى الله عليه وسلم -
ثم تزوج (عائشة بنت أبي بكر) - رضى الله عنها – وكانت صغيرة ولم يدخل بها إلا بعد الهجرة. ولم يتزوج بكراً غيرها.وكانت أحب نسائه إليه، وقيل كانت سنها تسع سنوات وبقيت معه تسع سنوات وخمسة أشهر. وتوفي عنها - رسول الله علية وسلم -
ثم تزوج (حفصة بنت عمر الخطاب)- رضى الله عنها – بعد الهجرة بسنتين وأشهر. تزوجها ثيباً. بعد أن عرضها أبوها على أبي بكر وعلى عثمان فلم يستجيبا. فوعده النبي خيراً منهما وتزوجها.
ثم تزوج (زينب بنت خزيمة) وكان زوجها الأول عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب قد قتل يوم بدر. وكان زوجها قبل النبي هو عبد الله بن جحش الأسدي الذي اشتسهد يوم أحد وتوفيت زينب في حياة الرسول-صلى الله عليه وسلم –
وتزوج (أم سلمة) وكانت قبله زوجاً لأبي سلمة، الذي جرح في أحد وظل جرحه يعاوده حتي مات به فتزوج رسول الله –صلى الله عليه وسلم أرملته. وضم إليه عياله من أبي سلمة.
وتزوج (زينب بنت جحش) بعد أن زوجها لمولاه ومتبناه زيد بن حارثه فلم تستقيم حياتهما فطلقها وكانت جميلة وضيئه، وهي التي كانت عائشة –رضى الله عنها تحس أنها تساميها لنسبها من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهي بنت عمته، ولوضاءتها.
ثم تزوج (جويرية بنت الحارث) سيد بني المصطلق) بعد غزوة بني المصطلق.
ثم تزوج (أم حبيبة بنت أبي سفيان) بعد الحديبة. وكانت مهاجرة مسلمة في بلاد الحبشة. فارتد زوجها عبيد الله بن جحش إلى النصرانية وتركها. فخطبها النبي – صلى الله عليه وسلم – وأمهرها عنه نجاشي الحبشة وجاءت من هناك إلى المدينة.
وتزوج إثر فتح خيبر (صفيه بنت حيي بن أخطب) زعيم بني النضير.
ثم تزوج (ميمونة بنت الحارث بن حزن) وهي خالة خالد بن الوليد. وكانت قبل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عند أبي رهم بن عبد العزى وهي آخر من تزوج صلى الله عليه وسلم.
وهكذا نرى لكل زوجه من أزواجه – صلى الله عليه وسلم – قصة وسبباُ في زواجه منها. وهن فيما عدا زينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث كن لا يرغب فيهن الرجال. فقد اختير ليكون إنساناً. ولكن إنساناً رفيعاً وهكذا كانت دوافعه في حياته وفي أزواجه –صلى الله عليه وسلم – على اختلاف الدوافع والأسباب