هذه السورة مكية ذات نسق خاص في موضوعاتها وسياقها ، تيتوالى إيقاعاتها على القلب البشري من بدئها إلى نهايتها. وهي إيقاعات موحية مؤثرة تهز القلب هزاً. وتوقظه من غفلته ليتأمل عظمتة هذا الوجود. وروعة هذا الكون وليتدبر وليتذكر آيات الله ويشعر برحمته ورعايته، وليتصور مصارع الغابرين في الأرض ومشاهدهم يوم القيامة، ووحدة اليد الصانعة والمبدعة.
السورة وحدة متماسكة متوالية الحلقات متتالية الإيقاعات، يصعب تقسيمها إلى فصول متميزة الموضوعات فهي كلها في موضوع واحد ،كلها إيقاعات على أوتار القلب البشري، تستمد من ينابيع الكون والنفس والحياة والتاريخ والبعث. فتأخد على النفس أقطارها وتهتف بالقلب للإيمان والخشوع والإذعان.
السمة البارزة في هذه الإيقاعات هي تجميع الخيوط كلها في يد القدرة المبدعة ،وإظهار هذه اليد لتحرك الخيوط كلها وتجمعها وتقبضها وتبسطها. وتشدها وترخيها بلا معقب ولا شريك ولا ظهير.ومنذ ابتداء السورة إلى ختامها نلمح هذه السورة البارزة : (الحمد لله فاطر السماوات والأرض، جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، يزيد في الخلق مايشاء إن الله على كل شيء قدير).
هذه القبضة القوية تنفرج فترسل بالرحمة) ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها)
الخلق والتكوين والنسل والأجل كلها خيوطها بيد الله
والله خلقكم من تراب، ثم من نطفة، ثم جعلكم أزواجاً)
ويد الله مبدعة تعمل في هذا الكون بطريقتها، تصبغ وتلون في الجماد والنبات والحيوان والإنسان) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء، فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها. ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود. ومن الناس والأنعام مختلف ألوانه كذلك)
وفي قبضة الله تتجمع مقاليد السماوات والأرض وحركات الكواكب والأفلاك : (يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل. وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى)
ويد الله تنقل خطى البشر وتنقل الجيل للجيل : (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض)
ويد الله تمسك بهذا الكون الهائل وتحفظه من الزوال : (إن الله يمسك السماوات والأرض أم تزولا)
يد الله عي القابضة على الأمور لا يعجزها شيء على الإطلاق : (ما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض)
وقد قسمت السورة إلى ست مقاطع متجانسة المعاني لتيسير تناولها.